اليهود الامازيغ : التاريخ المنسي والموقف المرتجى -مقال لأنغير بوبكر

اعترف الدستور المغربي الجديد بالبعد اليهودي كبعد اساسي من ابعاد الثقافة والهوية المغربية الجامعة  وركن اساسي من اركان التاريخ المغربي  وهذا تطور نوعي من حيث انه اقر حقيقة تاريخية منسية وهي مساهمة اليهود المغاربة  بصفة عامة والامازيغ بصفة خاصة  في بناء صرح الدولة المغربية عبر التاريخ، لكن مساهمة اليهود الامازيغ  في بناء التاريخ المغربي أغفلتها الكتابات التاريخية التي تناولت مراحل تطور الدولة المغربية فباستثناء بعض الكتابات القليلة التي تحدثت عن تواجد يهودي في المغرب وعن تعايش مثالي بينها وبين المكونات الدينية الأخرى، فالكتابات التاريخية الأخرى لا تخلو من اقصاءات ممنهجة للعنصر اليهودي  وان ذكرته في بعض المرات بشكل عرضي،  لذلك نحن في هذا المقال  نتوجه بدعوة للباحثين المؤرخين الذين ضالتهم الحقيقية هي البحث عن الحقيقة التاريخية ان ينوروا الأجيال المقبلة بمساهمة فئة دينية عريضة اسمها اليهود الامازيغ  في بناء الدولة المغربية. التواجد اليهودي في المغرب يرجع إلى ما قبل الميلاد وتحديدا في القرن الخامس قبل الميلاد حسب المؤرخ المغربي محمد كنبيب وكانوا يسمون بأهل الذمة لأنهم كانوا ناقصو المواطنة الكاملة ومفروض عليهم إعطاء ضريبة للدولة المركزية أو للسلطان بلغة ذلك العصر مقابل أمنهم وامن ممتلكاتهم ، إلا أن التاريخ  يحدثنا عن التمييز الذي تعرضوا له اليهود الامازيغ بسبب دينهم أولا وبسبب لغتهم ثانيا لذلك نتحدث عن تمييز مزدوج  والأخطر من ذلك كله أن الحديث عن اليهود في المغرب وفي الدول المغاربية يختصر في الحديث عن اليهود من أصول عربية في الوقت الذي كان فيه العرب أقلية وكان اليهود الامازيغ اكثرية،  الاحصاءات  اليوم تقول بان اليهود  في المغرب عددهم يصل الى 5000  وكان عددهم  في الخمسينات اكثر من ربع مليون شخص وتقطن الشريحة الاكبر من هؤلاء المستقرين منهم في المدن وخاصة مدينة الدارلبيضاء  والرباط والمدن الشمالية الاخرى  فيما تعرض اليهود الامازيغ المستقرين في القرى لعمليات تهجير قسرية  في مراحل غابرة في التاريخ ومايزال المؤرخون مطالبين بفضح جميع اسرارها السياسية والانسانية خاصة ان اليهود الامازيغ تعرضوا لمظالم تاريخية ومؤمرات كبرى من اجل ترحيلهم الى اسرائيل والى الغرب  في مرحلة من المراحل التاريخية .

العلاقات المغربية الاسرائيلية – باعتبار إسرائيل هي الدولة المحتضنة رسميا لليهود كيهود اي انها بنت وجودها السياسي على فكرة الدين وهي من الدول القلائل  في العالم التي  تتميز بذلك – كانت علاقات  متميزة  ومتصلة ومتواصلة   منذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني والدليل على ذلك ان الهجرات الكبرى اليهودية نحو إسرائيل كانت في عهدهما  حيث تم تسهيل هجرة اكثر من 300 الف يهودي نحو اسرائيل رغم ان معظم اطوار هذه  العلاقات كان تقام في السر الا ان الاكيد ان المغرب دائما يحتفظ بعلاقاته المتينة مع ساسة اسرائيل، لكن هذه العلاقات الرسمية لم تساهم في تطوير وضعية الامازيغ اليهود داخل اسرائيل الذين يبلغ عددهم اكثر  من 800000 الف  فما يزالو يعانون هناك تهميشا واضطهادا باعتبارهم من اصول غير شرقية بالنظر الى سيطرة اليهود الروس على مفاصل الاقتصاد والسياسة الاسرائيلية، التهميش والاقصاء الذي  عانى منه اليهود المغاربة بصفة عامة في اسرائيل جعل اغلبهم تنخرط في الاحزاب اليمينية والدينية لان الاحزاب اليسارية كان من احتكار يهود اوروبا والروس لكن ذلك لم يمنع قيادات سياسية من الاصول المغربية الى الوصول الى  مراكز القيادة السياسية في اسرائيل فنذكر على سبيل الذكر لا الحصر  ديفيد ليفي, شلومو بن عامي’ سيلفان شلوم ’ مئير وشمعون شتريت’ اسحق موردخاي’ موشي ليفي لكن المؤسف له ان اليهود الامازيغ في اسرائيل لا يدافعون عن القضية الامازيغية باعتبارها هويتهم الاصلية ولا يبذلون مساعي سياسية وديبلوماسية من اجل ان تصبح اللغة الامازيغية من اللغات المعتمدة رسميا في اسرائيل لذلك يمكن ان نقول بأن اليهود الامازيغ  ينتظرهم عمل كبير يتمثل في الدفاع عن اللغة الامازيغية باعتبارها لغتهم الام اولا والدفاع عن المصالح الكبرى لبلدهم الاول المغرب الذي رعاهم في مرحلة دقيقة من المراحل التاريخية التي تعرضوا فيها للبطش العثماني والاوروبي كان المغرب حاضنا لهم ومؤمنا لعيشهم فعليهم دين تاريخي يتمثل في الدفاع عن المغرب ومصالحه بصفة عامة  والامازيغية بصفة خاصة والدليل على أن الدولة المغربية في مرحلة من مراحلها  المعاصرة كانت تعامل اليهود معاملة حسنة ما اورده الاستاذ روبير اصراف  في كتابه “محمد الخامس واليهود المغاربة”. رغم ان التاريخ المغربي لم يكن دائما حنونا على اليهود المغاربة اذ تعرضوا للبطش والتنكيل في عهد بعض السلاطين امثال مولاي اسماعيل وولداه هشام ويزيد وحتى قبل ذلك في المرحلة الموحدية والمرابطية وهذه المراحل المظلمة يمكن اعتبارها استثناءا مقارنة بالمراحل الأخرى التي تم فيها توقير اليهود واحترامهم وللتدقيق في هدا الأمر يمكن الاطلاع على كتابات بعض المؤرخين المهتمين باليهود المغاربة أمثال: حاييم الزعفراني الذي أكد على حقيقة مهمة وهي أن  الفئات اليهودية  التي رحلت من المغرب كانت في بداية الخمسينات وافرغت المناطق الأمازيغية حيث كانت وضعية المزارعين اليهود صعبة.

ان الحديث عن اليهود المغاربة عامة واليهود الامازيغ بصفة خاصة  حديث أولي يحتاج الى تدخل عاجل من المؤرخين والساسة والمفكرين الذي عليهم تنوير الراي العام المغربي باسهامات البعد اليهودي في الذاكرة المغربية المشتركة   خاصة وان اليهود المغاربة لم يرحلوا عن بلادهم المغرب طواعية او حبا في الهجرة انما معظمهم بشكل قسري والنزر القليل منهم  بعد ان ضاقت بهم الاحوال الاجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسيية خصوصا وان حملات تخوينية وتكفيرية شنت عليهم  منذ الستينات متهمة اليهود المغاربة بانهم صهاينة وغيرها من الأطروحات الشعبوية آنذاك التي كان اليهود فيها حطب جهنم في الصراع السياسي المرير بين الحركة السلفية المغربية ممثلة في حزب الاستقلال والمؤسسة الملكية، هذا الصراع لا زال قائما بشكل فكري وايديولوجي  بين قوى تكفر الجميع وتعتبر التراث المغربي تراثا عربيا اسلاميا خالصا وبين قوى حداثية متمسكة بالعقل والتاريخ ومتشبعة بالمشترك الانساني المؤمنة بان الحضارة المغربية لم تكن لتبنى الا بمشاركة الجميع عربا وامازيغ ويهودا ومسلمين ومسيحيين وملحدين الحضارة المغربية ملك للجميع والجميع مسؤول عنها.

انغير بوبكر