رشيد الحاحي: لماذا يحب المغاربة الأمازيغية؟!

“حتى أنا أمازيغي”، “وخا ما كنضرهاش راه كنفهم، حيت الأصل ديالنا أمازيغي”، “جدا الله ارحمها كانت كتهدر بالأمازيغية”، “أنا أمازيغي من جيهت مي، وحتى با كليك كان جدو كيهضر بها”، “إيمازيغن الله إعمر ها دار، جيرانا وكبرنا معاهم ما تشوف فيهم العيب، والواليد ديالي حتى هو كان كيهضرها فصغرو غير تنساة عليه”…
هذه بعض الأجوبة والعبارات التي يتداولها المغاربة عندما يثار نقاش الأمازيغية، حيث سرعان ما تثير هذه الكلمة في أذهان وتصورات المواطنين والمواطنات المغاربة بعض التمثلات المرتبطة بالأصول الاجتماعية وامتلاك اللغة والحديث بها، أو منظومة القيم السائدة وبعض مظاهر التفاعل والتطور الاجتماعي التي عرفها المجتمع المغربي.
فمن خلال هذا التداول وأشكال الإجابات والتعاطي مع النسب الأمازيغي وحضورها الاجتماعي وتداولها الثقافي واللغوي في فضاء المجتمع، يتضح ما يلي:
المغاربة والمغربيات يعتبرون في قرارة أنفسهم وجدانيا واجتماعيا أنهم أمازيغ وأن تمزيغت مرادف أو أساس المغرب وتمغربيت ، هذا دون الدخول في نقاش العرق وبغض النظر عن امتلاك اللغة أو عدم امتلاكها، أو بالأحرى الحرمان من تملكها الذي هو مسؤولية الدولة ومؤسساتها ونتيجة لسياساتها العمومية. فهم يعتبرون أنفسهم أمازيغ بشكل أو بآخر، ولعل الإطار الثقافي الأمازيغي في بعده الإنسي العميق الذي يطبع الانتماء إلى التراب المغربي بشكل أقوى، وشمال إفريقيا كذلك، هو المفسر لأشكال هذا التعالق وامتداداته الاجتماعية.
فالأمازيغية إضافة إلى حاملها اللغوي فهي إطار وجود المغرب التاريخي ومقوم ثقافي وإنسي طبع حياة المغاربة واختلافهم الاجتماعي والوطني، رغم كل التحريف الذي لحق وعيهم بذاتهم نتيجة الاختيارات الإيديولوجية التي شكلت على امتداد عشرات السنوات زيف وعي ووجدان شريحة معينة خاصة جزء من نخبتهم المتعلمة والمستلبة.
لم ترتبط الأمازيغية أبدا بإطار عرقي أو بعد إثني في فضاء المجتمع المغربي، أو بالأحرى في التمثل الثقافي السائد، رغم تنوع المجالات والجهات الترابية وتعدد اللغات وبعض الاختلافات الاجتماعية التي تم توظيفها في لحظات معينة لإذكاء الصراعات أو لتبخيس التنوع والغنى وتبرير الاستيعاب القسري للسلطة، كما كان يتجلى من توظيف النعوت والتمايزات المشحونة بدلالات قدحية خاصة في صفوف الفئات غير الواعية وغير المتعلمة أو المقهورة كالشلح والعروبي والفاسي والصحراوي…
فالحديث تلقائيا عن اللغة والثقافة والروابط الاجتماعية والقيمية عند سماع كلمة الأمازيغية، هو تأكيد للأساس الاجتماعي لنظرة المواطنين والمواطنات المغاربة حيالها، وعدم اختزالهم إياها في أي تصور شوفيني ضيق كما يذهب إلى ذلك جزء من نخبهم المتعلمة خاصة ذات المرجعيات الإيديولوجية القومية، والذين يحورون هذا الوضع الاجتماعي الصارخ ويتهربون منه، ويوظفون النقاش الثقافي واللغوي في تبرير تكلس إيديولوجي، ديني أو فكري، أو استمرار السياسات العمومية القائمة وإستراتيجية السلطة المهيمنة.
رغم كل أشكال الإقصاء والاستيعاب الخشن الذي كانت الأمازيغية ضحيته على مستوى السياسات العمومية، وكل مظاهر العنف الرمزي الذي عان منه الأمازيغ جراء سياسات الدولة التي امتد مفعولها التمييزي إلى الفضاء العام والمحاكم والمدارس والمستشفيات والإدارات والإعلام والمساجد والقطارات والحافلات…، والذي هو مسؤولية الدولة والحكومات وليس مسؤولية المواطنين الذين كانوا مجرد أدوات أو ضحايا، فالأمازيغية لم تكن أبدا مصدرا أو مبررا للعنف المضاد، وتحلى الأمازيغ على امتداد تاريخهم العريق بشمال إفريقيا بوجود عميق وواثق من مشروعيته وثبات كبير في كل الأزمات وهجوم الإمبراطوريات وهيمنة الثقافات وتسلط الفئات الحاكمة، مند أكثر من ثلاثة وثلاثين قرنا وصولا إلى اليوم.
من خلال ما سبق يتضح أن حب المغاربة للأمازيغية لغة وثقافة وإنسانا هو نتيجة طبيعية لتشكل المجتمع المغربي وإرثه التاريخي ونبوغه الإنسي والثقافي الذي استطاع أن يطور مناعة ذاتية أفعمت فرص التثاقف والتواصل والإحساس المشترك على المستوى الاجتماعي والشعبي وتبادلات الحياة العفوية رغم كل الحالات والأصوات والمظاهر الشاذة، أما بعض النخب خاصة العالمة والمؤدلجة والسياسية…فقد كانت تنظر باستمرار وتتعاطى مع الأمازيغية بتوجس وأحيان بامتعاض يعكس نوعا من ضيق الأفق السياسي والتوظيف الانتهازي والاستيعابي… ومع المغرب ومشروع تطويره كما هو، مغرب أمازيغي يتسع للجميع …

رشيد الحاحي